الإيمان والعقل في القرآن الكريم
نُشر مؤخراً مقال للدكتور محمد هاشم كمالي، أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، بعنوان «الإسلام، والعقلانية، والعلم». وقد كان الجزء الذي يتطرق إلى الإيمان والعقل في القرآن الكريم مميزاً. يشير كمالي بأن هناك توافق في القرآن بين الإيمان والعقل (faith and reason). ويتضح هذا التوافق بمجموعة من الاستثناءات التي يشرحها القرآن والتي تبيّن الفرق بين الوسائل الصحيحة والخاطئة للوصول إلى المعرفة. يلخّص كمالي تلك الاستثناءات بالآتي:
رفض «الظن» والتأكيد على «العلم»
القرآن يضع الظن كمقابل للعلم، كما قال تعالى:﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾[النجم/ ٢٨]. و«العلم» المقصود هنا هو العلم الناشئ من السمع والرؤية وتحكيم العقل، والذي يعبر عنه القرآن بقوله:﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء/ ٣٦]. يضيف كمالي أن بالرغم من كون الظن مقبولا في بعض شؤون المعاملات، فهناك تأكيد في القرآن على العلم واليقين في شؤون العقيدة، وطلب العلم، والشهادة بالحق، وأغلب شؤون الناس.
رفض «الهوى»
يحذّر القرآن من اتباع الهوى والمشاعر الشخصية (كالكراهية، الحب، الغضب، وغيرها). فوجود هذه المشاعر بدرجات شديدة قد يؤثر سلبا على عقلانية الإنسان، ويساهم في ابتعاده عن الحق والعدل. كما يحذر من اتباع الهوى في الحكم بين الناس، قال تعالى:﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾[ص/ ٢٦]. والقرآن يذكر الهوى في مواضع كثيرة منها [الفرقان/ ٤٣] و[النساء/ ١٣٥].
رفض التقليد الأعمى للماضي
يضع القرآن الكريم «العقل» كأساس لتقييم الماضي، ويبين ضرورة رفض ما في الماضي من عادات وموروثات إذا تبيّن أنها خاطئة. يتضح ذلك من خلال الردود التقليدية للكفار وعبدة الأصنام على الأنبياء:﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾[الأنبياء/ ٥٣] و ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾[المائدة/ ١٠٤]. ومنها ما جاء على لسان إبراهيم عليه السلام:﴿قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[الأنبياء/ ٥٤]. فمن خلال هذه القصص التاريخية يبيّن القرآن أن هناك اتصال بين قيم الماضي والحاضر، لكن المعرفة تكون قابلة للتقييم والإثبات بمعزل عن عادات وأعراف الماضي.
رفض تقليد الحاكم المستبد
يحذّر القرآن من تقليد الدكتاتور المستكبر، الذي لا يتبع الحق، ويصرّح بإن طاعة الحاكم لا تعفي الإنسان من العقاب. يذكر القرآن «فرعون» في أكثر من آية بأنه هو من أضل قومه:﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾[طه/ ٧٩] (أيضا [هود/ ٩٧] و [الزخرف/ ٥٤]). وفي القرآن دعوة للناس لتحكيم عقولهم وعدم الاعتماد على سادتهم، ذلك لأنهم هم أنفسهم سيحاسبون أمام الله عن أفعالهم، ليس فقط من يحكمهم؛ قال تعالى:﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا٦٦وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا٦٧﴾[الأحزاب/ ٦٦-٦٧].
إذن هناك دعوة لتحكيم العقل في القرآن، والذي يستثني أربعة أمور قد تنتقص من عقلانية الإنسان وتبعده عن الحق والعدل وهي: الظن، والهوى، والتقليد الأعمى للماضي، وتقليد الحاكم المستبد. يستنتج كمالي أن استثناء هذه الأمور يدل على أن مبدأ التوافق بين الإيمان والعقل موجود في القرآن.
هامش:
Kamali, Mohammad Hashim, 2003, Islam, Rationality and Science. Islam & Science