لعل أهم ما يلاحظ دارس التاريخ الإسلامي هو غياب المثالية في قراءة وتدوين التاريخ. ففي كتب التراث وعي، قد يكون سابق لأوانه، بتأثير الإنحياز والهوى على تدوين وفهم الروايات التاريخية.

يكاد يكون أفضل تلخيص لأسباب الكذب والخطأ في رواية التاريخ ما كتبه ابن خلدون (ت. 1406م) في مستهل مقدمته الشهيرة. وهو منهج خاص به في تمحيص التاريخ، لا ينفصل عن باقي المفاهيم التي شرحها في كتابه، كالعمران والعصبية. فيما يلي كلام ابن خلدون عن الأسباب (وهي سبعة) لاحتواء الروايات التاريخية على الكذب والخطأ:

اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش [أي الانعزال في الصحراء] والتأنس [أي المشاركة في مجتمع] والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر، بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من المُلْك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش، والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال.

ولما كان الكذب متطرقاً للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه. فمنها:

  1. التشيعات للأراء والمذاهب، فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر، حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيُّع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيُّع غطاء على عين بصيرتها عن الإنتقاد والتمحيص، فيقع في قبول الكذب ونقله.

  2. ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار أيضاً الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح.

  3. ومنها الذهول عن المقاصد. فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب.

  4. ومنها توهم الصدق وهو كثير. وإنما يجيء في الأكثر من جهة الثقة بالناقلين.

  5. ومنها الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع لأجل ما يداخلها من التلبُّس والتصنُّع، فينقلها المخبر كما رأها، وهي بالتصنُّع على غير الحق في نفسه.

  6. ومنها تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجِلّة والمراتب بالثناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك، فتستفيض الأخبار بها على غير حقيقة، فالنفوس مولعة بحب الثناء، والناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها من جاه أو ثروة، وليسوا في الأكثر براغبين في الفضائل ولا متنافسين في أهلها.

  7. ومن الأسباب المقتضية له أيضاً وهي سابقة على جميع ما تقدم الجهل بطبائع الأحوال في العمران. فإن كل حادث من الحوادث، ذاتاً كان أو فعلاً، لا بد له من طبيعة تخصه في ذاته وفيما يعرض له من أحواله. فإذا السامع عارفاً بطبائع الحوادث والأحوال في الوجود ومقتضياتها، أعانه ذلك تمحيص الخبر على تمييز الصدق من الكذب، وهذا أبلغ في التمحيص من كل وجه يعرض.

ملاحظة: ما بين الأقواس تلخيص للهامش في نسخة المحقق عبد السلام الشدادي.

المصادر

عبد السلام الشدادي،2005، مقدمة ابن خلدون، المجلد الأول، ص 51-53، بيت الفنون والعلوم والآداب.

أسد رستم، 2002، مصطلح التاريخ، المكتبة العصرية.